---

تجمع مختلف الدراسات التي تصدت للتعبير عن اللاتكيف الدراسي في تفسيراتها حول اتجاهين:اتجاه يعزو الظاهرة إلى أطروحة تؤكد على تأثير العوامل الاقتصادية  من حيث الوضع السوسيواقتصادي للأسرة ثم هناك أطروحة تنتصر لتأثير العوامل الثقافية أي  إلى ما يعود إلى  الوسط السوسيوثقافي للمتمدرس في نسبته إلى المستوى السوسيومهني للوالدين و طبيعة التعاطي القيمي مع المناخ المدرسي . ورغم أنه موضوعيا لا يمكن الانتقاص من وجاهة تأثير العوامل الخارجية في تفسيراتها إلا أن إسهام عوامل أخرى تبدأ من تاريخ نمو الجهاز النفسي للطفل و استدماجه لخصوصيات التنظيم العقلي للأم لاينكره إلا جاهل.

اللاتكيف الدراسي لايظهر فجأة في المسار التربوي للطفل، بل تعود جذروه إلى مرحلة الطفولة و الماضي البعيد في حياة الأسرة، لكنه لا يعبر عن نفسه  إلا مع الدخول المدرسي لأول  مرة حيث تتملك الطفل مشاعر الحب و الكراهية في نفس الوقت بمعنى اخر يحب المدرسة التي تخول استكشاف عالم الكبار و يخاف المدرسة  في رغبته البقاء صغيرا في تجاذب وجداني واضح لدى كل الأطفال و في كل المجتمعات والنظام النفسي هو الذي يسمح بمعالجة هذه التجارب معرفيا ، مادام ينطلق من مسلمة  مفادها  أن كل عمل عقلي متكيف لا يقوم إلا على انفعالات متوازنة و هو ما يفسر في نفس الوقت العلاقة بين الميكانيزمات اللاشعورية و العمليات العقلية في ذهن ووجدان الطفل لذلك فالعصاب  la névrose يشل كل نشاط فكري و تأمل عقلي بالنسبة لمدرسة التحليل النفسي .

جملة من الدراسات العالمية التي يمكن وصفها بالصرامة المنهجية و الدقة العلمية ربطت إحصائيا بين التجاذب الوجداني و الصحة النفسية و العقلية و من أهمها دراسة (Terry j Freidland, Michael L. Raulin , Patricia Rourke1984)  من جامعة ولاية نيويورك بيفالو و التي أبانت بما لا يختلف فيه اثنان أن هناك علاقة طردية بين التجاذب الوجداني و اضطرابات الإدراك و التكيف الدراسي عامة. كما دراسات عربية و منها دراسة منشورة في مجلة آداب المستنصرية عدد 101 (2023) للدكتورة هبة مناضل العبيدي كشفت عن وجود ارتباط دال بين التجاذب الوجداني من جهة و وجود اضطراب التحدي و العناد لدى الطفل(ODD)  من جهة أخرى ، استخدمت الباحثة في هذه الدراسة معامل ارتباط بيرسون في حساب قيمة العلاقة الارتباطية بين المتغيرين الذي بلغ 0.48 و هو معامل ارتباط دال خاصة عند مقارنته بالقيمة الجدولية في الدراسة المشار إليها.  فما المقصود باضطراب العناد وما هي الجانبية العقلية للمتعلمين من ذويه على مقياس ستانفورد بينيه للذكاء في نسخته الخامسة؟

تعرف الجمعية الأمريكية للطب النفسي (1994) اضطراب العناد بأنه "نمط من السلوك المتكرر يتسم به الطفل بفقدان القدرة في السيطرة على المزاج والجدال مع الكبار والتحدي أو رفض الامتثال لطلبات أو قواعد البالغين وإزعاج الاخرين عمدا ولومهم على أخطائه ويكون حساسا وينزعج بسهولة من الاخرين ويشعر بالغضب والاستياء كما أنه يحقد ولديه رغبة بالانتقام"

وغالبا ما يتصف الذي يعاني من اضطراب العناد بالصفاقة والسماجة ويطبع سلوكه التمرد والعدوان والعصيان تجاه الوالدين والأقران والمربين والراشدين وتجاه الأشخاص الممثلين لأي سلطة وتتم ترجمة الاضطراب من خلال أنماط سلوكية كالعنف وتقلب الحالة المزاجية والانفعالية وتدمير الممتلكات العامة والعدوان اللفظي والجسدي والولع بالجدل وسهولة الإثارة والغضب و تقلب المشاعر و الانطواء على الضغينة. وكلها سلوكيات تتطور مع الطفل منذ ولادته انطلاقا من تكون العلاقات الشبقية الأولى مع الموضوع الأول إلى التمييز بين المواضيع إلى الصراع الأوديبي و كيفية التصدي له ، تظهر سلوكياته واضحة في مرحلة المراهقة التي تشهد تعبيرا عميقا في الاستثمارات للمواضيع النرجسية الناجمة عن التحولات الجسمية ووفقا لنظرية التحليل النفسي فإنه يعاد تنظيم القوى النفسية و العقلية خلال فترة المراهقة لكن مدى النجاح في ذلك يتوقف بالضرورة على العلاقات الأولية مع المواضيع الأولية فيتم تفسير اضطراب  العناد بناء على ما سبق باعتباره كفا فكريا       inhibition ناشئا عن الإشكالية الأوديبية التي لم يبلور تجاهها الطفل امكانياته الدفاعية. فما هو معدل ذكاء ضحية اضطراب التحدي و العناد على مستوى مقياس ستانفورد بينيه للذكاء في نسخته الخامسة؟

يقوم مقياس ستانفورد بينيه للذكاء في نسخته الخامسة  (SB :5) على ما أسماه رويد  (Riod) العوامل الخمسة للقدرات العقلية:

1-    الاستدلال السائل.

2-    المعلومات

3-    الاستدلال الكمي

4-    الذاكرة النشطة

5-    المعالجة البصرية المكانية

و هو نموذج مشتق من نظرية كاتل  (Cattell) ، هورن (Horn) و كارول  (Carroll )المعروف اختصارا ب  (CHC) و ترجع أهميته  إلى " قدرته التنبئية بالتكيف الدراسي و هو الأكثر ارتباطا بالإبداع و التفوق العقلي" بحسب رويد  Riod و من بين من قننه في البيئة العربية كل من محمود أبو النيل ، محمود طه و عبد الموجود عبد السميع و تم تحديد خصائصه السيكومترية كما يلي :

معاملات الصدق تراوحت بين  0.66 و 0.90.

معاملات الثبات باستخدام ألفاكرونباخ تراوحت بين 0.70 و 0.98

و هي معاملات دالة إحصائيا ملاءمة و قابلة للتطبيق.

ومن بين الدراسات العربية التي حاولت الوقوف على صورة شاملة للقدرات العقلية لدى عينة من ذوي اضطراب التحدي و العناد من خلال الأداء على مقياس ستانفورد بينيه للذكاء في نسخته الخامسة  كما قنن، دراسة للدكتورة سماح محمد ابراهيم و هي منشورة بمجلة الدراسات الإنسانية و الأدبية لجامعة كفر الشيخ المصرية في المجلد 27، العدد 1 يونيو 2022 أفادت هذه الدراسة ان نسبة الذكاء الكلية للمشاركين منخفضة لذوي اضطراب التحدي و العناد مقارنة بالعاديين ، حيث سجل لديهم تأخرا في القدرة على الاستدلال الاستقرائي و الاستنباط و تحديد العلاقات بين أجزاء المعارف في الموضوعات البصرية ورؤية الأنماط و الاتجاهات المكانية و الاشكال العامة، و في الذاكرة التي تتبع قدرة الطفل على تخزين  و معالجة المعلومات المخزنة على مدة قصيرة .

كما أشارت الدرجات الحساسة لمتغير المقياس الكمي، ونسبة الذكاء اللفظي ، ونسبة الذكاء غير اللفظي، - الذي يوازي العمر المكافئ لعينة الاطفال ذوي اضطراب التحدي و العناد - أن العمر العقلي يتراوح  في هذه الدراسة  بين ست سنوات وستة  سنوات ونصف في حين متوسط أعمارهم الزمني هو عشر سنوات.

 تم تسجيل  أيضا ضعف القدرة على التفكير، واضطراب الإدراك حيث يخطئون في استقبال الرسائل وتنظيمها وتحويلها والذى يؤدي إلى صعوبة في أداء المهام التي تعتمد على التذكرو الفهم و التحليل و التركيب و التوليف و التقييم  كل هذه الاضطرابات تؤدى إلى انخفاض مستوى التكيف الدراسي ، وانخفاض الأداء في الاختبارات المعرفية المختلفة لدى الأطفال ذوي اضطراب التحدي و العناد، وما اضطراب الانتباه  و ضعف القدرة على التفكير و التمييز البصري  إلا تمظهرات خلل  في الوظائف المعرفية، نتيجة التأثيرات السلبية التي تحدثها أعراض اضطر اب التحدي و العناد في المخ . والجدول كما ظهر في الدراسة المذكورة يعرض الصفحة المعرفية المميزة لمجموعة أطفال ذوي اضطراب التحدي و العناد ومجموعة عاديين في نسب الذكاء وفق العوامل الخمسة للقدرات العقلية.

 

---

عادل بوفتي  - مدينة ميسور-

مستشار في التوجيه التربوي.

---